الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كِتَاب الْمَغَازِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب المغازي. باب غزوة العشيرة) : بالشين المعجمة كذا لأبي ذر، ولغيره تأخير البسملة عن قوله " كتاب المغازي " وزادوا " باب غزوة العشيرة أو العسيرة " بالشك هل هي بالإهمال أو بالإعجام، مكانها عند منزل الحج بينبع، وليس بينها وبين البلد إلا الطريق. وخرج في خمسين ومائة وقيل مائتين، واستخلف فيها أبا سلمة بن عبد الأسد. والمغازي جمع مغزى، يقال غزا يغزو غزوا ومغزى والأصل غزوا والواحدة غزوة والميم زائدة، وعن ثعلب الغزوة المرة والغزاة عمل سنة كاملة، وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده، والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله، وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق. *3* قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب المغازي. باب غزوة العشيرة) : بالشين المعجمة كذا لأبي ذر، ولغيره تأخير البسملة عن قوله " كتاب المغازي " وزادوا " باب غزوة العشيرة أو العسيرة " بالشك هل هي بالإهمال أو بالإعجام، مكانها عند منزل الحج بينبع، وليس بينها وبين البلد إلا الطريق. وخرج في خمسين ومائة وقيل مائتين، واستخلف فيها أبا سلمة بن عبد الأسد. والمغازي جمع مغزى، يقال غزا يغزو غزوا ومغزى والأصل غزوا والواحدة غزوة والميم زائدة، وعن ثعلب الغزوة المرة والغزاة عمل سنة كاملة، وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده، والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله، وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق. قوله: (قال ابن إسحاق أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة) كذا للأكثر، وسقط لأبي ذر إلا عن المستملي وحده لكنه ذكره آخر الباب، والأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد قرية من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، قيل سميت بذلك لما كان فيها من الوباء وهي على القلب وإلا لقيل الأوباء، والذي وقع في مغازي ابن إسحاق ما صورته: غزوة ودان بتشديد المهملة، قال: وهي أول غزوات النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة يريد قريشا، فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة، وادعه رئيسهم مجدي بن عمرو الضميري ورجع بغير قتال. قال ابن هشام: وكان قد استعمل على المدينة سعد بن عبادة ا هـ. وليس بين ما وقع في السيرة وبين ما نقله البخاري عن ابن إسحاق اختلاف، لأن الأبواء وودان مكانان متقاربان بينهما ستة أميال أو ثمانية، ولهذا وقع في حديث الصعب بن جثامة " وهو بالأبواء أو بودان " كما تقدم في كتاب الحج، ووقع في " مغازي الأموي " حدثني أبي عن ابن إسحاق قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غازيا بنفسه حتى انتهى إلى ودان وهي الأبواء. وقال موسى بن عقبة: أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم - يعني بنفسه - الأبواء. وفي الطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: أول غزاة غزوناها مع النبي الأبواء. وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " عن إسماعيل وهو ابن أبي أويس عن كثير بن عبد الله مقتصرا عليه، وكثير ضعيف عند الأكثر، لكن البخاري مشاه وتبعه الترمذي، وذكر أبو الأسود في مغازيه عن عروة ووصله ابن عائذ من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الأبواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا فلقوا جمعا من قريش فتراموا بالنبل، فرمى سعد بن أبي وقاص بسهم، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله " وعند الأموي: يقال إن حمزة بن عبد المطلب أول من عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام راية، وكذا جزم به موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي في آخرين قالوا: وكان حامل رايته أبو مرثد حليف حمزة، وذلك في شهر رمضان من السنة الأولى، وكانوا ثلاثين رجلا ليعترضوا عير قريش، فلقوا أبا جهل في جمع كثير، فحجز بينهم مجدي. وأما بواط فبفتح الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو وآخره مهملة: جبل من جبال جهينة بقرب ينبع، قال ابن إسحاق. ثم غزا في شهر ربيع الأول يريد قريشا أيضا حتى بلغ بواط من ناحية رضوي ورجع ولم يلق أحدا، ورضوي بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور: جبل مشهور عظيم بينبع، قال ابن هشام: وكأن استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون، وفي نسخة السائب بن مظعون، وعليه جرى السهيلي. وقال الواقدي سعد بن معاذ. وأما العشيرة فلم يختلف على أهل المغازي أنها بالمعجمة والتصغير وآخرها هاء، قال ابن إسحاق هي ببطن ينبع، وخرج إليها جمادى الأولى يريد قريشا أيضا، فوادع فيها بني مدلج من كنانة. قال ابن هشام استعمل فيها على المدينة أبا مسلمة بن عبد الأسد. وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإيابا، وسبب ذلك أيضا أنها كانت وقعة بدر وكذلك السرايا التي بعثها قبل بدر كما سيأتي، قال ابن إسحاق: ولما رجع إلى المدينة لم يقم إلا ليالي حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفران - بفتح المهملة والفاء - من ناحية بدر، فقاتله كرز بن جابر، وهذه هي بدر الأولى، وقد تقدم في العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناسا من قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم، واتفق وقوع ذلك في رجب، فقتلوا منهم وأسروا وأخذوا الذي كان معهم، وكان أول قتل وقع في الإسلام وأول مال غنم، وممن قتل عبد الله بن الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال ببدر. وقال الزهري: أول آية نزلت في القتال كما أخبرني عروة عن عائشة (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) أخرجه النسائي وإسناده صحيح. وأخرج هو والترمذي وصححه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، ليهلكن. فنزلت (أذن للذين يقاتلون) الآية. قال ابن عباس: فهي أول آية أنزلت في القتال " وذكر غيره أنهم أذن لهم في قتال من قاتلهم بقوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) ثم أمروا بالقتال مطلقا بقوله تعالى (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا) الآية. الحديث: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقِيلَ لَهُ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ قِيلَ كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ قَالَ الْعُسَيْرَةُ أَوْ الْعُشَيْرُ فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ فَقَالَ الْعُشَيْرُ الشرح: قوله: (حدثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم، وأبو إسحاق هو السبيعي. قوله: (فقيل له) القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما سيأتي آخر المغازي بلفظ " سألت زيد بن أرقم " ويؤيده أيضا قوله في هذه الرواية آخرا " فأيهم". قوله: (تسع عشرة) كذا قال ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح وأصله في مسلم، فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ " قلت أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العشير أو العشيرة " ا هـ والعشيرة كما تقدم هي الثالثة، وأما قول ابن التين: يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو، أي زيد بن أرقم، فقلت ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه؟ قال: العشير، فهو محتمل أيضا، ويكون قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك. أو عد الغزوتين واحدة، فقد قال موسى بن عقبة " قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف " ا هـ وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما، فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر، وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السهيلي، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال " غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين " وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فيه أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة ثم قال أربعا وعشرين، قال الزهري: فلا أدري أو هم أو كان شيئا سمعه بعد. قلت: وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم. وأما البعوث والسرايا فعد ابن إسحاق ستا وثلاثين وعد الواقدي ثمانيا وأربعين. وحكى ابن الجوزي في " التلقيح " ستا وخمسين، وعد المسعودي ستين، وبلغها شيخنا في " نظم السيرة " زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في " الإكليل " أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم المغازي إليها. قوله: (قلت فأيهم كان أول) ؟ كذا للجميع، قال ابن مالك: والصواب " فأيها " أو " أيهن " ووجهه بعضهم على أن المضاف محذوف والتقدير فأي غزوتهم؟ قلت: وقد أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير بالإسناد الذي ذكره المصنف بلفظ " قلت فأيتهن "؟ فدل على أن التعبير من البخاري أو من شيخه عبد الله بن محمد المسندي أو من شيخه وهب بن جرير حدث به مرة على الصواب ومرة على غيره إن لم يصح له توجيه. قوله: (العشير أو العشيرة) كذا بالتصغير والأول بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء، ووقع في الترمذي العشير أو العسير بلا هاء فيهما. قوله: (فذكرت لقتادة) القائل هو شعبة، وقول قتادة " العشيرة " هو بالمعجمة وبإثبات الهاء ومنهم من حذفها، وقول قتادة هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب، وأما غزوة العسيرة بالمهملة فهي غزوة تبوك قال الله تعالى (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) وسميت بذلك لما كان فيها من المشقة كما سيأتي بيانه، وهي بغير تصغير، وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث وهو موضع، وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتتهم، وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها، فبسبب ذلك كانت وقعة بدر، قال ابن إسحاق: فإن السبب في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكبا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش، فندب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان أبو سفيان يتجسس الأخبار فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه بقصدهم، فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى قريش بمكة يحرضهم على المجيء لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم، فخرجوا في ألف راكب ومعهم مائة فرس، واشتد حذر أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين، فلما أمن أرسل إلى من يلقى قريشا يأمرهم بالرجوع، فامتنع أبو جهل من ذلك، فكان ما كان من وقعة بدر. *3* الشرح: قوله: (باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر) أي قبل وقعة بدر بزمان، فكان كما قال، ووقع عند مسلم من حديث أنس عن عمر قال " أن النبي صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارع أهل بدر يقول: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان. فو الذي بعثه بالحق ما أخطأوا تلك الحدود " الحديث، وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها، بخلاف حديث الباب فإنه قبل ذلك بزمان. الحديث: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ سَعْدٌ دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ قَالَ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ قَالَ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ قَالَ لَا مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ الشرح: قوله: (شريح) هو بمعجمة وآخره مهملة، وإبراهيم بن يوسف عن أبيه هو يوسف بن إسحاق السبيعي. قوله: (أنه سمع عبد الله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ قال كان صديقا) فيه التفات على رأي، والسياق يقتضي أن يقول كنت صديقا، ويحتمل أن يكون " قال " زائدة ويكون قوله " قال " من كلام ابن مسعود، والمراد سعد بن معاذ، وهي رواية النسفي. قوله: (على أمية) بن خلف ووقع في علامات النبوة من طريق إسرائيل عن ابن إسحاق " أمية بن خلف بن صفوان"، كذا للمروزي، وكذا أخرجه أحمد والبيهقي من طريق إسرائيل، والصواب ما عند الباقين " أمية بن خلف أبي صفوان"، وعند الإسماعيلي " أبي صفوان أمية بن خلف " وهي كنية أمية كني بابنه صفوان بن أمية، وكذلك اتفق أصحاب أبي إسحاق ثم أصحاب إسرائيل على أن المنزول عليه أمية بن خلف، وخالفهم أبو علي الحنفي فقال: نزل على عتبة بن ربيعة، وساق القصة كلها، أخرجه البزار. وقول الجماعة أولى. وعتبة بن ربيعة قتل ببدر أيضا لكنه لم يكن كارها في الخروج من مكة إلى بدر، وإنما حرض الناس على الرجوع بعد أن سلمت تجارتهم فخالفه أبو جهل، وفي سياق القصة البيان الواضح أنها لأمية بن خلف لقوله فيها " فقال لامرأته يا أم صفوان " ولم يكن لعتبة بن ربيعة امرأة يقال لها أم صفوان. قوله: (فقال) أي سعد بن معاذ (لأمية) بن خلف (انظر لي ساعة خلوة) في رواية إسرائيل " فقال أمية لسعد: ألا تنظر حتى يكون نصف النهار " والجمع بينهما بأن سعدا سأله وأشار عليه أمية، وإنما اختار له نصف النهار لأنه مظنة الخلوة. قوله: (ألا أراك) بتخفيف اللام للاستفتاح، وللكشميهني بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة. قوله: (أو يتم) بالمد والقصر، والصباة بضم المهملة وتخفيف الموحدة جمع صابي بموحدة مكسورة ثم تحتانية خفيفة بغير همز وهو الذي ينتقل من دين إلى دين. وفي رواية إسرائيل " وقد أويتم محمدا وأصحابه". قوله: (طريقك على المدينة) أي ما يقاربها أو يحاذيها، قالا الكرماني: طريقك بالنصب والرفع. قلت: النصب أصح لأن عامله لأمنعنك، فهو بدل من قوله ما هو أشد عليك، وأما الرفع فيحتاج إلى تقدير. وفي رواية إسرائيل متجرك إلى الشام، وهو المراد بقطع طريقه على المدينة. قوله: (على أبي الحكم) هي كنية أبي جهل، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقبه بأبي جهل. قوله: (فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك) كذا أتى بصيغة الجمع والمراد المسلمون، أو النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره بهذه الصيغة تعظيما، وفي بقية سياق القصة ما يؤيد هذا الثاني، ووقع لبعضهم " قاتليك " بتحتانية بدل الواو وقالوا هي لحن، ووجهت بحذف الأداة والتقدير أنهم يكونون قاتليك. وفي رواية إسرائيل " أنه قاتلك " بالإفراد، وقد قدمت في " علامات النبوة " بيان وهم الكرماني في شرح هذا الموضع وأنه ظن أن الضمير لأبي جهل فاستشكله فقال إن أبا جهل لم يقتل أمية، ثم تأول ذلك بأنه كان سببا في خروجه حتى قتل. قلت: ورواية الباب كافية في الرد عليه، فإن فيها " أن أمية قال لامرأته: إن محمدا أخبرهم أنه قاتلي " ولم يتقدم في كلامه لأبي جهل ذكر. قوله: (ففزع لذلك أمية فزعا شديدا) بين سبب فزعه في رواية إسرائيل ففيها " قال فوالله ما يكذب محمدا إذا حدث " ووقع عند البيهقي " فقال والله ما يكذب محمد، فكاد أن يحدث " كذا وقع عنده بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الدال من الحدث وهو خروج الخارج من أحد السبيلين، والضمير لأمية أي أنه كاد أن يخرج منه الحدث من شدة فزعه، وما أظن ذلك إلا تصحيفا. قوله: (فلما رجع أمية إلى أهله) أي امرأته (فقال يا أم صفوان) هي كنيتها، واسمها صفية ويقال كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وهي من رهط أمية فأمية ابن عم أبيها، وقيل اسمها فاختة بنت الأسود. قوله: (ما قال لي سعد) وفي رواية إسرائيل " ما قال لي أخي اليثربي " ذكر الأخوة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية، ونسبه إلى يثرب وهو اسم المدينة قبل الإسلام. قوله: (فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة) يؤخذ منه أن الأخذ بالمحتمل حيث يتحقق الهلاك في غيره أو يقوى الظن أولى. قوله: (فلما كان يوم بدر) زاد إسرائيل " وجاء الصريخ " وفيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق كما تقدم قبل هذا الباب، وعرف أن اسم الصريخ ضمضم بن عمرو الغفاري، وذكر ابن إسحاق بأسانيده أنه لما وصل إلى مكة جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وصرخ: يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد، الغوث الغوث. قوله: (أدركوا عيركم) بكسر المهملة وسكون التحتانية أي القافلة التي كانت مع أبي سفيان. قوله: (انك من يراك الناس) في رواية الكشميهني وحده " متى ما يراك الناس " بزيادة " ما " وهي الزائدة الكافة عن العمل، وبحذفها كان حق الألف من " يراك " أن تحذف، لأن متى للشرط وهي تجزم الفعل المضارع، قال ابن مالك: يخرج ثبوت الألف على أن قوله " يراك " مضارع راء بتقديم الألف على الهمزة وهي لغة في رأي قال الشاعر: إذا راءني أبدي بشاشة واصل ومضارعه يراء بمد ثم همز، فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفا فصار يرا، وعلى أن متى شبهت بإذا فلم يجزم بها، وهو كقول عائشة الماضي في الصلاة في أبي بكر " متى يقوم مقامك " أو على إجراء المعتل مجرى الصحيح كقول الشاعر: ولا ترضاها ولا تملق أو على الإشباع كما قرئ (أنه من يتقي) . قلت: ووقع في رواية الأصيلي " متى يرك الناس " بحذف الألف وهو الوجه. قوله: (وأنت سيد أهل الوادي) أي وادي مكة، قد تقدم أن أمية وصف بها أبا جهل لما خاطب سعدا بقوله " لا ترفع صوتك على أبي الحكم وهو سيد أهل الوادي " فتقارضا الثناء وكان كل منهما سيدا في قومه. قوله: (فلم يزل به أبو جهل) بين ابن إسحاق الصفة التي كاد بها أبو جهل أمية حتى خالف رأي نفسه في ترك الخروج من مكة فقال " حدثني ابن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع على عدم الخروج، وكان شيخا جسيما، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة حتى وضعها بين يديه فقال: إنما أنت من النساء، فقال: قبحك الله". وكأن أبا جهل سلط عقبة عليه حتى صنع به ذلك، وكان عقبة سفيها. قوله: (لأشترين أجود بعير بمكة) يعني فأستعد عليه للهرب إذا خفت شيئا. قوله: (ثم قال أمية) في الكلام حذف تقديره: فاشترى البعير الذي ذكر ثم قال لامرأته. قوله: (لا يترك منزلا إلا عقل بعيره) في رواية الكشميهني " ينزل " بنون وزاي ولام من النزول وهي أوجه من رواية غيره " يترك " بمثناة وراء وكاف. قوله: (فلم يزل بذلك) أي على ذلك. قوله: (حتى قتله الله ببدر) تقدم في الوكالة حديث عبد الرحمن بن عوف في صفة قتله، وستأتي الإشارة إليه في هذه الغزوة. وذكر الواقدي أن الذي ولي قتله خبيب وهو بالمعجمة وموحدة مصغر، ابن إساف بكسر الهمزة ومهملة خفيفة الأنصاري. وقال ابن إسحاق: قتله رجل من بني مازن من الأنصار. وقال ابن هشام: يقال اشترك فيه معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب المذكور. وذكر الحاكم في " المستدرك " أن رفاعة بن رافع طعنه بالسيف، ويقال قتله بلال. وأما ابنه علي بن أمية فقتله غمار. وفي الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة، وما كان عليه سعد بن معاذ من قوة النفس واليقين. وفيه أن شأن العمرة كان قديما، وأن الصحابة كان مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الحج، والله أعلم. *3* وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ وَقَالَ وَحْشِيٌّ قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الْآيَةَ الشَّوْكَةُ الْحَدُّ الشرح: قوله: (قصة غزوة بدر) كذا للأكثر وثبت " باب " في رواية كريمة. قوله: (قول الله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون - إلى - فتنقلبوا خائبين) كذا للأكثر، وللأصيلي نحوه قال بعد قوله: (وأنتم أذلة) : إلى قوله: (فتنقلبوا خائبين) وساق الآيات كلها في رواية كريمة. قوله: (ببدر) هي قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها، ويقال بدر بن الحارث، ويقال بدر اسم البئر التي بها، سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها، وحكى الواقدي إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار، وإنما هي مأوانا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر، وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد. قوله: (وأنتم أذلة) أي قليلون بالنسبة إلى من لقيهم من المشركين، ومن جهة أنهم كانوا مشاة إلا القليل منهم، ومن جهة أنهم كانوا عارين من السلاح وكان المشركون على العكس من ذلك، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى تلقي أبي سفيان لأخذ ما معه من أموال قريش، وكان من معه قليلا فلم يظن أكثر الأنصار أنه يقع قتال فلم يجز معه منهم إلا القليل، ولم يأخذوا أهبة الاستعداد كما ينبغي، بخلاف المشركين فإنهم خرجوا مستعدين ذابين عن أموالهم. وأما قوله: (إذ تقول للمؤمنين) فاختلف فيها أهل التأويل، فمنهم من قال: هي متعلقة بقوله: (نصركم) فعلى هذا هي في قصة بدر، وعليه عمل المصنف، وهو قول الأكثر وبه جزم الداودي، وأنكره ابن التين فذهل. وقيل هي متعلقة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال) فعلى هذا فهي متعلقة بغزوة أحد وهو قول عكرمة وطائفة، ويؤيد الأول ما روى ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي " أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين، فأنزل الله تعالى (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف) الآية قال يمد كرز المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة، ومن طريق سعيد عن قتادة قال " أمد الله المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة " وعن الربيع بن أنس قال " أمد الله المسلمين يوم بدر بألف، ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف " وكأنه جمع بذلك بين آل عمران والأنفال، وقد لمح المصنف بالاختلاف في النزول فذكر قوله تعالى (وإذ غدوت من أهلك) في غزوة أحد، وكذلك قوله: (ليس لك من الأمر شيء) وذكر ما عدا ذلك في غزوة بدر وهو المعتمد. قوله: (فورهم: غضبهم) ثبت هكذا في رواية الكشميهني وهو قول عكرمة ومجاهد وروي عن ابن عباس. وقال الحسن وقتادة والسدي: معناه من وجههم. قوله: (وقال وحشي) أي ابن حرب (قتل حمزة) أي ابن عبد المطلب (طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر) كذا وقع فيه " ابن الخيار " وهو وهم وصوابه " ابن نوفل " وسأبين ذلك في الكلام على قصة مقتل حمزة في غزوة أحد إن شاء الله تعالى. قوله: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" هذه الآية نزلت في قصة بدر بلا خلاف، بل جميع سورة الأنفال أو معظمها نزلت في قصة بدر، وسيأتي في تفسير قول سعيد بن جبير " قلت لابن عباس سورة الأنفال قال نزلت في بدر " والمراد بالطائفتين العير والنفير، فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معه من الأموال، وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين بالسلاح متأهبين للقتال، وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم، وهو المراد بقوله: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) والمراد بذات الشوكة الطائفة التي فيها السلاح. قوله: (الشوكة الحد) هو قول أبي عبيدة، قال في " كتاب المجاز " ويقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم، وكأنها استعارة من واحدة الشوك، وروى الطبراني وأبو نعيم في " الدلائل " من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس قال " أقبلت عير لأهل مكة من الشام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يريدها، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخص مغنما من أن يلقوا النفير، فلما فاتهم العير نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بدرا فوقع القتال". الحديث: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ الشرح: ذكر المصنف طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة توبته، وسيأتي في غزوة تبوك، والغرض منه هنا قوله " ولم يعاتب أحد " وهو بفتح التاء على البناء للمجهول، ووقع في رواية الكشميهني " ولم يعاتب الله أحدا " وقوله فيه " إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش " أي ولم يرد القتال. وقوله "حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد " أي ولا إرادة قتال. والعير المذكورة يقال كانت ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، وكان فيها ثلاثون رجلا من قريش وقيل أربعون وقيل ستون، وقوله "غير أني تخلفت في غزوة بدر " وهو استثناء من المفهوم في قوله " لم أتخلف إلا في تبوك " فإن مفهومه أني حضرت في جميع الغزوات ما خلا غزوة تبوك، والسبب في كونه لم يستثنهما معا بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختارا لذلك مع تقدم الطلب ووقوع العتاب على من تخلف، بخلاف بدر في ذلك كله، فلذلك غاير بين التخلفين. *3* وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الشرح: قوله: (باب قول الله تعالى إذ تستغيثون ربكم - إلى قوله - شديد العقاب) كذا للأكثر، وساق في رواية كريمة الآيات كلها، وقد تقدمت الإشارة إليه في الذي قبله، والجمع أيضا بين قوله: (بألف من الملائكة) وبين قوله: (بثلاثة آلاف) ، وأورد البخاري فيه حديثين: فقصة المقداد فيها بيان ما وقع قبل الوقعة، وحديث ابن عباس فيه بيان الاستغاثة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ الشرح: قوله: (عن مخارق) بضم الميم وتخفيف المعجمة هو ابن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي بمهملتين ويقال اسم أبيه عبد الرحمن ويقال خليفة، وهو كوفي ثقة عند الجميع يكنى أبا سعيد، ولم أر له رواية عن غير طارق وهو ابن شهاب وله رؤية. قوله: (شهدت من المقداد بن الأسود) تقدم أن اسم أبيه عمرو، وأن الأسود كان تبناه فصار ينسب إليه. قوله: (مما عدل به) بضم المهملة وكسر الدال المهملة أي وزن أي من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات، وقيل: من الثواب، أو المراد الأعم من ذلك، والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد، وأنه كان لو خير بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان لكان حصوله له أحب إليه، وقوله: " لأن أكون صاحبه " هو بالنصب. وفي رواية الكشميهني " لأن أكون أنا صاحبه " ويجوز فيه الرفع والنصب، قال ابن مالك: النصب أجود. قوله: (وهو يدعو على المشركين) زاد النسائي في روايته " جاء المقداد على فرس يوم بدر فقال " وذكر ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا وأن أبا سفيان نجا بمن معه، فاستشار الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر كذلك، ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب وزاد " فقال والذي بعثك بالحق لو سلكت بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه. قال: فقال أشيروا علي. قال: فعرفوا أنه يريد الأنصار، وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلا على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو، فقال له سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك. قال فسره قوله ونشطه " وكذا ذكره موسى بن عقبة مبسوطا، وأخرجه ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة، وعند ابن أبي شيبة من مرسل علقمة بن وقاص في نحو قصة المقداد " فقال سعد بن معاذ لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى - فذكره وفيه - ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فامض لما شئت، وصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت " قال: وإنما خرج يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله له القتال، وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي أيوب قال: " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: إني أخبرت عن عير أبي سفيان، فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها؟ قلنا: نعم، فخرجنا. فلما سرنا يوما أو يومين قال: قد أخبروا خبرنا فاستعدوا للقتال، فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، فأعاده، فقال له المقداد: لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول: إنا معكما مقاتلون. قال فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد. فأنزل الله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده نحوه لكن فيه أن معاذ هو الذي قال ما قال المقداد، والمحفوظ أن الكلام المذكور للمقداد كما في حديث الباب، وأن سعد بن معاذ إنما قال " لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا معك " كذلك ذكره موسى بن عقبة. وعند ابن عائذ في حديث عروة " فقال سعد بن معاذ: لو سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن " ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة، وفيه نظر لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرا، وإن كان يعد فيهم لكونه ممن ضرب له بسهمه كما سأذكره في آخر الغزوة، ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في رواية مسلم ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان " والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب، ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب، وقد تقدم في الهجرة شرح برك الغماد، ودلت رواية ابن عائذ هذه على أنها من جهة اليمن، وذكر السهيلي أنه رأى في بعض الكتب أنها أرض الحبشة، وكأنه أخذه من قصة أبي بكر مع ابن الدغنة، فإن فيها أنه لقيه ذاهبا إلى الحبشة ببرك الغماد فأجاره ابن الدغنة كما تقدم في هذا الكتاب، ويجمع بأنها من جهة اليمن تقابل الحبشة وبينهما عرض البحر. قوله: (ولكنا نقاتل عن يمينك إلخ) وفي رواية سفيان عن مخارق " ولكن امض ونحن معك " وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون " ولأحمد من حديث عتبة بن عبد بإسناد حسن " قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل، ولكن انطلق أنت وربك إنا معكم". الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي، وخالد هو الحذاء. قوله: (عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم) هذا من مراسيل الصحابة فإن ابن عباس لم يحضر ذلك، ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر، ففي مسلم من طريق أبي زميل بالزاي مصغر واسمه سماك بن الوليد عن ابن عباس قال: " حدثني عمر: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر، فاستقبل القبلة ثم مد يديه، فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه " الحديث، وعن سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: " لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم، فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته: اللهم لا تودع مني، اللهم لا تخذلني، اللهم لا تترني، اللهم أنشدك ما وعدتني"، وعند ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني". قوله: (يوم بدر) زاد في رواية وهيب الآتية في التفسير عن خالد " وهو في قبة " والمراد بها العريش الذي اتخذه الصحابة لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم فيه. قوله: (اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة وضم الدال، أي أطلب منك. وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: " ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: " اللهم إني أنشدك ما وعدتني " قال السهيلي: سبب شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال، والأنصار يخوضون غمار الموت، والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء، ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء. قوله: (اللهم إن شئت لم تعبد) في حديث عمر " اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". أما " تهلك " فبفتح أوله وكسر اللام، و " العصابة " بالرفع، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، ولاستمر المشركون يعيدون غير الله، فالمعني لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة. ووقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد، وروى النسائي والحاكم من حديث علي قال: " قاتلت يوم بدر شيئا من قتال، ثم جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: يا حي يا قيوم، فرجعت فقاتلت، ثم جئت فوجدته كذلك". قوله: (فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك) زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير " قد ألححت على ربك " وكذا أخرجه الطبراني عن عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه، زاد في رواية مسلم المذكورة " فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) الآية، فأمده الله بالملائكة " ا هـ. وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة. وقوله في رواية مسلم " كذاك " وهو بالذال المعجمة وهو بمعني كفاك، قال قاسم بن ثابت " كذاك " يراد بها الإغراء والأمر بالكف عن الفعل وهو المراد هنا، ومنه قول الشاعر: كذاك القول إن عليك عيبا أي حسبك من القول فاتركه ا هـ وقد أخطأ من زعم أنه تصحيف وأن الأصل كفاك. قال الخطابي: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال؛ بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم، لأنه كان أول مشهد شهده، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة، فلما قال له أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة، فلهذا عقب بقوله. " سيهزم الجمع " انتهى ملخصا. وقال غيره: وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف، وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة، وإنما كان مجملا. هذا الذي يظهر، وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت إليه، ولعل الخطابي أشار إليه. قوله: (فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر) وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس " لما نزلت (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال عمر: أي جمع يهزم؟ قال: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويقول: (سيهزم الجمع) أخرجه الطبري وابن مردويه. وله من حديث أبي هريرة عن عمر " لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أي جمع يهزم "؟ فذكر نحوه، وهذا مما يؤيد ما قدمته أن ابن عباس حمل هذا الحديث عن عمر، وسيأتي في التفسير عن عائشة " نزلت بمكة وأنا جارية ألعب: (بل الساعة موعدهم) الآية". الحديث: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ الشرح: قوله: (باب) كذا للجميع بغير ترجمة، ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن " باب فضل من شهد بدرا " وتبع في ذلك بعض النسخ، وهو خطأ من جهة أن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد، فلا معنى لتكررها. قوله: (أخبرني عبد الكريم) هو الجزري، بينه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج قال: " حدثني عبد الكريم الجزري " انتهى. وفي طبقته ممن يروي عن مقسم ويروي عنه ابن جريج عبد الكريم بن أبي المخارق أحد الضعفاء، ولم يخرج له البخاري شيئا مسندا، ومقسم بكسر الميم هو أبو القاسم مولى ابن عباس وهو في الأصل مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، وإنما قيل له مولى ابن عباس لشدة لزومه له، وما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب عدة أصحاب بدر) أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ألحق بهم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ وَالْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ الشرح: قوله: (استصغرت) بضم أوله، ومراد البراء أن ذلك وقع عند حضور القتال فعرض من يقاتل فرد من لم يبلغ، وكانت تلك عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المواطن. قوله: (أنا وابن عمر) قال عياض: هذا يرده قول ابن عمر " استصغرت يوم أحد " وكذا اعترض به ابن التين وزاد بأن إخبار عمر عن نفسه أولى من إخبار البراء عنه انتهى. وهو اعتراض مردود إذ لا تنافي بين الإخبارين فيحمل على أنه استصغر ببدر ثم استصغر بأحد، بل جاء ذلك صريحا عن ابن عمر نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر، وسيأتي بيان ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى. ثم وجدت في ابن أبي شيبة من طريق مطرف عن أبي إسحاق عن البراء مثل حديث الباب وزاد آخره " وشهدنا أحدا " فهذه الزيادة إن حملت على أن المراد بقوله وشهدنا أحدا نفسه وحده دون ابن عمر، وإلا فما في الصحيح أصح. قوله: (وحدثني محمود) هو ابن غيلان، ووهب هو ابن جرير بن حازم، ووقع في نسخة وهب بن جرير. قوله: (عن البراء) في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن وهب بن جرير بسنده " سمعت البراء". قوله: (وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين) كذا في هذه الرواية، وسيأتي في آخر الكلام على هده الغزوة أنهم كانوا ثمانين أو زيادة، ويأتي وجه التوفيق بينهما هناك إن شاء الله تعالى. وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني " إن الأنصار كانوا سبعين ومائتين " فليس بثابت، وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا الحديث " أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين " وهو خطأ في هذه الرواية لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري. قوله: (والأنصار نيف وأربعين ومائتين) النيف بفتح النون وتشديد التحتانية وقد تخفف وهو ما بين العقدين: وقال في الأول " نيفا " بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني " نيف " برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والأنصار جملته ما وقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، لكن الزيادة على العشر مبهمة، وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر، لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ " بضعة عشر " وللبزار من حديث أبي موسى " ثلاثمائة وسبعة عشر " ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس " كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر " وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر، والسلماني أحد كبار التابعين، ومنهم من وصله بذكر علي، وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي، ويقال عن ابن إسحاق " وأربعة عشر " وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني، ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الأنصاري قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه تعادوا، فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر " وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر " وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم تعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا، وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس، فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل " هل شهدت بدرا؟ فقالا: وأين أغيب عن بدر " انتهى، وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه لأنه خدمه عشر سنين، وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر، أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة. وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن، وكان المشركون ألفا، وقيل: سبعمائة وخمسون، وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس. ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: " كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر " وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه ابن جرير، وسيأتي من حديث أنس أن ابن عمته حارثة بن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل، وعند ابن جرير من حديث ابن عباس " أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال " وقد بين ذلك ابن سعد فقال: " إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة " وكأنه لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر ولم يشهدوها، وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا لضرورات لهم، وهم عثمان بن عفان تخلف عند زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه، وكانت في مرض الموت. وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش، فهؤلاء من المهاجرين. وأبو لبابة رده من الروحاء واستخلفه على المدينة، وعاصم بن عدي استخلفه على أهل العالية، والحارث بن حاطب على بني عمرو بن عوف، والحارث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فرده إلى المدينة، وخوات بن جبير كذلك، هؤلاء الذين ذكرهم ابن سعد، وذكر غيره سعد بن مالك الساعدي والد سهل مات في الطريق، وممن اختلف فيه هل شهدها أورد لحاجة سعد بن عبادة وقع ذكره في مسلم، وصبيح مولى أحيحة رجع لمرضه فيما قيل، وقيل: إن جعفر بن أبي طالب ممن ضرب له بسهم نقله الحاكم. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَ مِائَةٍ قَالَ الْبَرَاءُ لَا وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ الشرح: قوله: (عدة أصحاب طالوت) هو طالوت بن قيس من ذرية بنيامين بن يعقوب شفيق يوسف عليه السلام يقال إنه كان سقاء ويقال إنه كان دباغا. قوله: (أجازوا) في رواية الكشميهني " جازوا " بغير ألف وفي رواية إسرائيل التي بعدها " جاوزوا". قوله: (لا والله) هو جواب كلام محذوف تقديره إما دعوى وإما استفهام: هل كان بعضهم غير مؤمن، ويحتمل أن تكون " لا " زائدة وإنما حلف تأكيدا لخبره، وقد ذكر الله قصة طالوت وجالوت في القرآن في سورة البقرة، وذكر أهل العلم في الأخبار أن المراد بالنهر نهر الأردن، وأن جالوت كان رأس الجبارين، وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك، فقتله داود، فوفى له طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه، فتاب وانخلع من الملك وخرج مجاهدا هو ومن معه من ولده حتى ماتوا كلهم شهداء. وقد ذكر محمد بن إسحاق في " المبتدأ " قصته مطولة. *3* الشرح: قوله: (باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش) . قوله: (شيبة بن ربيعة) مجرور بالفتح على البدل وكذا عتبة. قوله: (وأبي جهل بن هشام وهلاكهم) المراد دعاؤه صلى الله عليه وسلم السابق وهو بمكة، وقد مضى بيانه في كتاب الطهارة حيث أورده المصنف من حديث ابن مسعود المذكور في هذا الباب بأتم منه سياقا، وأورده في الطهارة لقصة سلى الجزور ووضعه على ظهر المصلي فلم تفسده صلاته، وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها، وفي الجهاد في " باب الدعاء على المشركين " وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى بها، وفي المبعث في " باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة". الحديث: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا الشرح: قوله في هذه الرواية " فأشهد بالله " أي أقسم، وإنما حلف على ذلك مبالغة في تأكيد خبره (قد غيرتهم الشمس) أي غيرت ألوانهم إلى السواد، أو غيرت أجسادهم بالانتفاخ، وقد بين سبب ذلك بقوله: " وكان يوما حارا".
|